بينما يتسمّر العالم أمام مشهد الإبادة الجماعية في غزة، تنفّذ إسرائيل على نحو أكثر صمتًا، وبنفس القدر من الخطورة، مخططًا للتطهير العرقي في الضفة الغربية. تحت غطاء الحرب، وبمساعدة صمت الإعلام الغربي، فتحت إسرائيل جبهة ثانية لانتزاع الأرض: جرّافات تهدم المنازل، ومستوطنون مسلّحون يضرمون النار في البيوت وحقول الزيتون والسيارات، ويقتلون المدنيين، بينهم مواطنون أمريكيون من أصل فلسطيني.

في فبراير، اقتحمت الجرافات قرية خلة الضبع في مسافر يطا، وسوّت تسعة منازل بالأرض، بينما بحث الأهالي عن متعلّقاتهم وسط الغبار والركام. ادعت إسرائيل أن المنطقة مصنّفة كمنطقة عسكرية مغلقة. هذا الادعاء تكرر في حالات كثيرة للاستيلاء على أراضٍ فلسطينية، قبل إعادة تصنيفها كمناطق سكنية مخصصة للمستوطنين اليهود فقط. المشروع لا يتعلق بإدارة الأراضي، بل بتشريع التطهير العرقي من خلال بيروقراطية معقّدة، تنفّذها جرافات أمريكية الصنع.

في مخيمي طولكرم وجنين، اتخذت الحملة طابعًا عسكريًا. عملية "الجدار الحديدي" التي بدأتها إسرائيل منذ يناير، حوّلت هذه المخيمات إلى مناطق قتال. عمليات هدم منظمة دمّرت أحياءً بأكملها وأجبرت السكان على الفرار. وكالة الأونروا حذّرت من أن الهدف يتجاوز التهجير إلى تغيير دائم لهوية المخيمات. نحو 40 ألف فلسطيني فقدوا منازلهم، وتحولت مخيمات مثل نور شمس وجنين إلى بلدات مهجورة.

تجري معظم عمليات الهدم داخل المنطقة أ، التي تُفترض، وفق اتفاقية أوسلو، أن تكون تحت السيطرة المدنية والأمنية الكاملة للسلطة الفلسطينية. لكن السلطة تقف عاجزة أو مترددة، ربما خوفًا من فقدان امتيازات التنقّل التي تمنحها إسرائيل لكبار مسؤوليها عبر بطاقات الشخصيات المهمة (VIP).

في المقابل، يقف العالم في حالة لا مبالاة. ورغم أن الصحفيين الغربيين يتحركون بحرية أكبر في الضفة، فإن تغطيتهم للواقع هناك خجولة. الرقابة ليست مفروضة عليهم، بل صادرة من داخلهم؛ من عمى أخلاقي متجذّر. حين يغطّون الأحداث، يستخدمون عبارات مخفّفة: مثل وصف إعدام المواطن الأمريكي الفلسطيني سيف الله مسلّط على يد المستوطنين بأنه "توفي"، وتقديم الاعتداءات كـ"اشتباكات"، ما يخلق انطباعًا زائفًا بوجود تكافؤ بين مستوطنين مسلحين ومزارعين فلسطينيين عُزّل.

شهدنا اللامبالاة نفسها قبل 7 أكتوبر. في غزة، خضعت السكان لحصار طويل، وصفه مسؤولون إسرائيليون صراحة بأنه "نظام السعرات الحرارية". في الضفة، منع الاحتلال الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، وقتلهم، واعتقلهم. لكن وسائل الإعلام الغربية لا تتحرك إلا حين يُقتل إسرائيلي، وكأن ما يسبق ذلك لا يستحق الذكر.

هذا التحيّز الإعلامي لا يصدر عن الجهل بل عن عنصرية واعية ولا واعية. التغطية تمرّ عبر عدسة أيديولوجية تصطف مع إسرائيل، بينما تختار الكلمات والصور التي تبرّر الجرائم وتشوّه الضحية. القتلى الفلسطينيون يظهرون كأرقام، بلا أسماء أو وجوه، أما الإسرائيليون فيحصلون على الصفحات الأولى.

هذه الفجوة الأخلاقية ليست صدفة. الثقافة الغربية تعاملت مع إسرائيل، ليس كدولة فقط، بل كمشروع فداء أوروبي زرعته في قلب العالم العربي لتكفّر عن جرائمها ضد اليهود. الألمان قتلوا اليهود، والفلسطينيون دفعوا الثمن. حق الفلسطينيين في وطن وكرامة سُحق على مذبح الحساب التاريخي الأوروبي.

التدمير الإسرائيلي للمجتمعات الفلسطينية ومصادرة الأراضي في الضفة ليس منفصلًا عن الإبادة في غزة، بل جزء من مشروع موحّد لإعادة رسم الجغرافيا والديموغرافيا على جانبي الخط الأخضر. المشروع يهدف إلى محو الوجود الإسلامي والمسيحي، بيتًا تلو آخر، مسجدًا تلو مسجد، زيتونة تلو زيتونة.

في مثال ساطع على ذلك، تهدم إسرائيل الأحياء الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تُشرعن المستوطنات اليهودية فقط. يُمحى شعب من الخريطة، بينما يُكافَأ الآخر على الأرض المسروقة. هذه ليست ازدواجية معايير، بل ما تبدو عليه دولة تفوّق يهودي.

السؤال اليوم لا يتعلق بشرعية التطهير العرقي قانونيًا، بل بمدى استعداد العالم ـ والقيادة الفلسطينية ـ للتحرك ضد نظام فصل عنصري يستخدم جرائم الحرب غطاءً لاقتلاع شعب بأكمله بهدوء.

https://www.middleeastmonitor.com/20250715-cartography-of-israeli-apartheid-gaza-and-the-west-bank-two-fronts-of-dispossession/